ميزة الموقع الجغرافي في "إكس" تفضح شبكات التضليل

ميزة الموقع الجغرافي في “إكس” تفضح شبكات التضليل

هزّت منصة “إكس” (تويتر سابقاً) المشهد الرقمي بإطلاقها تحديثاً ساخناً أضاف ميزة “حول هذا الحساب”، والتي تعرض معلومات جوهرية مثل الموقع الجغرافي الذي يُدار منه الحساب، وتاريخ الإنضمام، وتاريخ تغيير اسم المستخدم. ورغم أن الهدف المعلن هو تعزيز الشفافية ومكافحة الحسابات الوهمية والمضللة، إلا أن التداعيات فاقت التوقعات، حيث كشفت الميزة الجديدة عن خيوط شبكات منظمة تعمل في الخفاء لتوجيه الرأي العام.

سقوط الأقنعة وكشف المصدر الحقيقي

الميزة الجديدة، التي بدأت في الظهور عالمياً، لم تترك مجالاً للشك حول مصادر بعض الحسابات الناشطة، خاصة تلك التي تتبنى خطاباً سياسياً أو مثيراً للجدل في المنطقة العربية.

أمثلة على ما كشفته الميزة:

  • حسابات “الوطنيين” من تل أبيب: ظهرت عشرات الآلاف من الحسابات التي تتبنى أسماء وصوراً عربية، وتستخدم لهجات محلية (خليجية، مصرية، شامية)، وتدّعي الغيرة على القضايا العربية، لكن ميزة “حول هذا الحساب” كشفت أن مصدر إدارتها الرئيسي هو تل أبيب، أو مراكز متخصصة في التضليل الرقمي متعاقدة مع الكيان في دول مثل الهند.
  • شبكات الفتنة الموجهة: تم الكشف عن أنماط سلوك متشابهة بين حسابات تثير الفتنة والانقسام بين الدول العربية (مثل حسابات تدعي أنها مغربية أو جزائرية وتُدار فعلياً من دول أوروبية أو مراكز خارجية) والتي تستخدم لغة عربية فصيحة وموحدة في هجومها على العرب أو لتمجيد الكيان.
  • “المؤثرون” الوهميون: كشفت الميزة عن أن العديد من الحسابات التي كانت تُقدم نفسها كـ “مؤثرين سياسيين” أو “ناشطين محليين”، سواء في قضايا عربية أو دولية (كحسابات داعمة لاستقلال اسكتلندا مثلاً)، تُدار من دول أخرى تماماً مثل إيران أو مراكز في الخارج، مما يؤكد أنها جزء من أجندات تضليل منظمة.

تكتيكات الـ VPN لم تنجح

على الرغم من محاولات بعض الحسابات استخدام شبكات افتراضية خاصة (VPN) لإخفاء موقعها، أكدت منصة “إكس” أنها تعمل على تقليل فرص التفاعل “غير الأصيل” حتى مع استخدام أدوات إخفاء الهوية، مما يضيف طبقة جديدة من السياق تمنح المستخدمين قدرة أفضل على تقييم مصداقية المحتوى.

نيكيتا بير، رئيس قسم المنتجات في “إكس”، صرح بأن هذه الخطوة هي “أساسية نحو حماية المدينة العالمية”، وأنها ستوفر المزيد من الطرق للمستخدمين للتحقق من صحة المحتوى الذي يشاهدونه.

تحليل الأثر

يُشير المحللون إلى أن التحديث يمثل ضربة قوية لـ “جيوش الذباب الإلكتروني” وغرف التضليل التي تستغل الفضاء الرقمي لتشويه الوعي وصناعة رأي عام مزيف. فالحساب الوهمي لم يعد مجرد صورة واسم، بل أصبح مكشوف المصدر، مما يمنح المستخدمين العاديين أداة قوية للتمييز بين الحسابات الحقيقية وتلك المبرمجة.

إكس” تجمد جزئياً ميزة كشف المصدر

بعد فترة وجيزة من الإطلاق، أعلنت إدارة “إكس” عن تجميد جزئي ومؤقت للميزة، وتحديداً فيما يخص دقة تحديد الموقع الجغرافي لبعض الحسابات. وهذا التراجع لم يكن إلغاءً، بل كان خطوة لتصحيح الأخطاء المكتشفة:

  1. اعتراف بوجود خلل في الدقة: أقر مسؤولو المنصة بأن الميزة كانت تظهر مواقع غير دقيقة لبعض المستخدمين، أو كانت تستعرض مواقعهم القديمة، مما أدى إلى اتهامات متبادلة وفوضى في تحديد الحسابات المزيفة.
  2. تعليق ظهور الموقع الجغرافي: تم تعليق ظهور المعلومة الخاصة بالموقع الجغرافي الدقيق على نطاق واسع لإتاحة الوقت للفرق الهندسية لضبط الخوارزميات وتحسين موثوقية التحديد.

النقطة الأهم: العناصر الأخرى للميزة، مثل تاريخ إنشاء الحساب وتاريخ تغيير الاسم، ظلت مرئية، وهي معلومات ساعدت أيضاً في كشف الحسابات المشبوهة التي تُنشأ حديثاً لأهداف تضليلية.

متنفس لشبكات التضليل

رغم أن التجميد تقني بحت ويهدف لضمان الدقة، يرى مراقبون أن هذا التوقف يمثل فرصة ذهبية ومؤقتة لشبكات التضليل التي انكشف أمرها.

لقد كشفت الفترة القصيرة لتفعيل الميزة عن وجود شبكات منظمة تُدار من مراكز خارجية، بما في ذلك حسابات تُظهر ولاءً لجهات عربية معينة لكنها تُدار فعلياً من تل أبيب أو مراكز دعم خارجية أخرى. هذا التجميد يمنح هذه الشبكات وقتاً لإعادة ترتيب تكتيكاتها، وتحديث أساليب إخفاء هويتها (مثل استخدام شبكات VPN أكثر تعقيداً)، قبل العودة المتوقعة للميزة بشكلها المُصحح والأكثر دقة.

قرار “إكس” هو خطوة لضمان الموثوقية، لكنه أظهر مدى حساسية المعلومات الجغرافية في صراع الإعلام الرقمي، وكشف بالدليل الرقمي عن وجود جيوش إلكترونية تتخفى وراء واجهات عربية زائفة.