نحكي لكم اليوم قصة تطور نظام ويندوز منذ بداياته حتى اليوم، مقال من القلب، تمتزج فيها الوقائع التقنية مع الأسلوب القصصي لنأخذكم برحلة ممتعة مع تطور هذا العملاق
في عالم الحواسيب، قليل من الأسماء استطاعت أن تترك بصمة كالتي تركها “ويندوز” — ذاك النظام الذي بدأ كنقطة صغيرة في بحر البرمجة، ثم صار بوابة يدخل منها الملايين إلى عالم التقنية يوميًا.
لكن القصة ليست عن البرمجيات فقط، بل عن رحلة طويلة من الإصرار، النجاح، وحتى الإخفاقات التي تحولت إلى دروس.
إقرأ: من مرآب صغير إلى عملاق التكنولوجيا: قصة صعود مايكروسوفت
البدايات حلم من نوافذ صغيرة
في منتصف الثمانينات، كانت مايكروسوفت شركة طموحة يقودها شاب في العشرينات يدعى بيل غيتس، يحلم أن يجعل الحاسوب أداةً في يد كل شخص، لا حكرًا على المبرمجين.
في عام 1985 أطلقت الشركة Windows 1.0، وهو واجهة رسومية بدائية تعمل فوق نظام MS-DOS.
لكن النظام لم يكن أكثر من تجربة متواضعة، شاشات رمادية، ونوافذ بسيطة لا يمكن حتى أن تتداخل!
ضحك البعض قائلين: “من سيترك سطر الأوامر ليستخدم هذه النوافذ؟”
لكن مايكروسوفت لم تضحك، بل سجّلت أول خطوة في رحلة ستغيّر التاريخ.
بعدها بعامين جاء Windows 2.0، الذي سمح لأول مرة بتداخل النوافذ واستخدام الماوس بحرية أكبر. قد يبدو أمرًا بسيطًا اليوم، لكنه حينها كان ثورة حقيقية في طريقة تفاعل الإنسان مع الحاسوب.
الولادة الحقيقية Windows 3.1

في عام 1992، وُلد أول إصدار حقيقي أحبّه المستخدمون: Windows 3.1.
كانت المرة الأولى التي تبدو فيها النوافذ “جميلة”، والمرة الأولى التي دخل فيها برنامج Paint وSolitaire إلى قلوب الناس.
حينها، بدأت الشركات تضع شعار “متوافق مع ويندوز” على علب برامجها، وبدأ العالم يفهم أن الحاسوب لم يعد مجرد أداة عمل جافة، بل بيئة رقمية مليئة بالألوان والأيقونات.
قيل إن موظفي مايكروسوفت احتفلوا حين تجاوز عدد المستخدمين 10 ملايين — رقم ضخم في ذلك الوقت.
كان ذلك الإعلان غير رسمي لبداية هيمنة “النوافذ” على العالم.
الأسطورة Windows 95

ثم جاء Windows 95، وحدث ما يشبه الانفجار التقني.
يُقال إن طوابير الناس وقفت أمام متاجر الإلكترونيات في منتصف الليل لشراء النسخة فور صدورها في أغسطس 1995.
أطلقت مايكروسوفت حملة تسويقية أسطورية بموسيقى فرقة “Rolling Stones” وأضواء ضخمة في ناطحات نيويورك.
كان ظهور زر ابدأ (Start) لحظة سحرية غيرت علاقة الإنسان بالحاسوب إلى الأبد.
في أسبوع واحد، باع النظام أكثر من 7 ملايين نسخة، وهو رقم لم يسبقه أي نظام تشغيل في التاريخ.
صار شعار “اضغط ابدأ” جملة عالمية، ومعه دخل ويندوز كل بيت وكل مكتب تقريبًا.
فوضى وابتكار Windows ME وWindows 2000

بعد النجاح الكبير، قررت مايكروسوفت أن تجرّب شيئًا جديدًا.
لكن ليست كل التجارب ناجحة.
في عام 2000 أطلقت Windows ME، وكان ذلك أحد أكثر الإصدارات تعرضًا للانتقاد بسبب الأعطال الكثيرة.
يحكي بعض المستخدمين أنهم اضطروا لإعادة تشغيل الحاسوب أكثر من مرة في اليوم الواحد!
ومع ذلك، في العام نفسه، صدر Windows 2000 الذي استُخدم في الشركات والمكاتب الكبيرة بفضل استقراره النسبي.
كان ذلك تذكيرًا لمايكروسوفت بأن النجاح لا يعني الكمال، وأن الطريق لا يخلو من العثرات.
نجم الألفية Windows XP

ثم جاء Windows XP في عام 2001 ليعيد المجد من جديد.
النظام الذي جمع بين استقرار Windows 2000 وجمال التصميم وسهولة الاستخدام.
كانت الخلفية الزرقاء ذات التلال الخضراء (“Bliss”) مألوفة لكل من استخدم الحاسوب في بدايات الألفية.
باع النظام أكثر من 400 مليون نسخة في سنواته الأولى، وأصبح رمزًا لجيل كامل من المستخدمين.
ما زال البعض يحنّ إليه حتى اليوم، ويقولون: “لم يكن هناك ويندوز مثله.”
لقد عاش XP أطول مما توقع الجميع، وظل مستخدمًا حتى بعد صدور ثلاثة أنظمة بعده!
السقوط المؤقت Windows Vista

في عام 2007، قررت مايكروسوفت تقديم شيء جديد كليًا: Windows Vista، بتصميم زجاجي وتأثيرات بصرية مبهرة.
لكن خلف الجمال كانت هناك مشكلة… النظام كان ثقيلًا جدًا على الأجهزة، ومتطلبات تشغيله عالية.
اشتكى الناس من البطء وكثرة رسائل الأمان، ففقدت الشركة جزءًا من بريقها.
قال أحد المبرمجين مازحًا: “Vista يشبه سيارة فخمة بمحرك دراجة.”
لكن مايكروسوفت تعلّمت الدرس، واستعدت للعودة من جديد.
العودة إلى المجد Windows 7

في عام 2009، جاء Windows 7 ليصالح الجميع.
خفيف، سريع، جميل، ومستقر.
أحبّه المستخدمون من اللحظة الأولى، وتبنته الشركات بسرعة قياسية.
أصبح النظام الأكثر شعبية في التاريخ حتى تفوّق على XP نفسه، وظلّ مسيطرًا حتى ظهور ويندوز 10 بعد أكثر من ست سنوات.
كان كمن قال: “لقد عدت لأفعلها كما يجب.”
من التجريب إلى التطور Windows 8 و10
ثم جاء Windows 8 في عام 2012، بتصميم مختلف تمامًا، ركّز على اللمس والشاشات اللوحية.
لكن التغيير كان جريئًا أكثر من اللازم، خصوصًا بعد إزالة زر “ابدأ” الذي ارتبط بذاكرة المستخدمين لعقود.
استاء البعض، وارتبكت الشركة مرة أخرى.
حتى جاء Windows 10 عام 2015 ليعيد التوازن.
أعاد زر “ابدأ”، وجمع بين الحداثة والتقليد، وأصبح منصة موحّدة بين الحواسيب والهواتف.
عاش النظام طويلاً، وكان بمثابة تحديث مستمر أكثر من كونه إصدارًا منفصلًا.
الجيل الجديد Windows 11

وأخيرًا، في عام 2021، خرج Windows 11 بوجه جديد، تصميم أكثر نعومة، شريط مهام في المنتصف، ودعم لتطبيقات أندرويد.
كان الهدف واضحًا: جعل الحاسوب بيئة إنتاج وإبداع في آن واحد.
اليوم، ومع الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي ومزايا مثل “Copilot”، يبدو أن ويندوز يستعد لمرحلة جديدة من الذكاء والتكامل.
نظام ويندوز.. حكاية لم تنتهِ بعد
قصة ويندوز ليست مجرد تواريخ وإصدارات، بل قصة إنسانية عن التجريب والخطأ، عن الحلم الذي بدأ من شاشة رمادية صغيرة وتحول إلى نظام يستخدمه أكثر من مليار شخص حول العالم.
من Windows 1.0 إلى Windows 11، مرّت أجيال من المبرمجين والمستخدمين، كلٌّ منهم ساهم في صنع الأسطورة.
وإن سألت أحدهم: “ما أول شيء تتذكره عندما تسمع كلمة ويندوز؟”
ربما يبتسم ويجيب: “ذلك الزر الصغير في الزاوية… زر ابدأ.”

